أصبح مفهوم ريادة الأعمال يُمَثِل هوساً لدى قطاع عريض من الشباب في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حتى ظهر مفهوم لتفسير هذه الظاهرة باسم "إباحية ريادة الأعمال". وعلى عكس الشائع تماماً بأن القطاع الأكبر من رواد الاعمال الناجحين هم في العقد الثاني والثالث من عمرهم، فإن متوسط أعمار رواد الأعمال الذين استطاعوا النجاة بشركاتهم الناشئة للوصول بها الى معادلة ربحية ناجحة هو متوسط الأربعينيات.
مقالات ذات علاقة: مهارات النجاح: ما هي المهارات التي يحتاجها رواد الأعمال
مما لا شك فيه، إن ريادة الأعمال هي خطوة هامة لتحقيق نمو وتنمية اقتصادية قوية وخلق وظائف جديدة. حتى أنها أُدرِجَت من ضمن عناصر الإنتاج الأساسية إلى جانب العناصر الكلاسيكية مثل الأرض والعمالة ورأس المال.
وفقاً لـ Office of Advocacy بالولايات المتحدة الامريكية، في فترة 21 عاماً، من عام 1992 وحتى عام 2013 كانت المشاريع الناشئة والصغيرة مسئولة عن 63.3% من الوظائف الجديدة.
ما وراء ريادة الأعمال
إلا أن الأمر بالطبع لا يخلو من الفانتازيا وتصدير عالم ريادة الأعمال وكأنه عالم سحري ينتمي من يعملون فيه إلى عالم ما وراء الطبيعة. حتى أني أطلقت مصطلح يعكس هذه الطريقة في الطرح وهو عالم ما وراء ريادة الأعمال "The Meta-Entrepreneurship".
عالم ما وراء ريادة الأعمال كمصطلح يعكس الهوس القائم في ريادة الاعمال والذي يعتمد على المبالغة المفرطة في تقديم رائد الأعمال وكأنه السوبر مان الاقتصادي!
أنا بالتأكيد أطالع أخبار التمويلات المليونية كل صباح لمشاريع متعددة في المنطقة، حيث وصل حجم الاستثمار في المشاريع الناشئة بالشرق الاوسط فالربع الأول من عام 2020 الى 277 مليون دولار، تفوز منهم جمهورية مصر العربية بنصيب الأسد بنسبة 37% متبوعة بالأمارات العربية المتحدة بنسبة 25% ثم المملكة العربية السعودية بنسبة 10%.
ولكن، تظل هناك أسئلة مسكوت عنها مثل:
- كم فكرة اكتملت وأصبحت مشروع حقيقي يدر أرباح مستدامة؟
- ما هي النسبة الحقيقية للشركات الناجحة المستمرة؟
- هل طرق التقييم تعبر بشكل حقيقي عن الشركة و آمال نموها بشكل مستقبلي أم أن الأمر لا يخلو من مساحيق التجميل المالية؟
فعليا مدى استعداد المستثمرين لضخ الأموال يتم تحديده بناءً على تقديرات مستقبلية لما سوف يحدث. ولا يدل حجم الاستثمار دائماً على مدى استمرارية الشركة في طريقها نحو النجاح. كما وتوجد العديد من الامثلة لشركات سقطت بسبب نفاذ الأموال بعد الحصول على تمويل بقيمة تصل إلى أكثر من 100 مليون دولار.
بحسب جامعة ستانفورد، من بين 4000 فكرة، 226 تتحول لنموذج أولي، 12 تتحول لمشاريع تجارية، 2-3 تنجح بشكل حقيقي. أي أن نسبة النجاح الحقيقي للأفكار تجارياً هي 0.0005%.
هذا المشهد على مستوى الشركات. أما عن المشهد على مستوى الافراد، فهل يعقل أن يكون الخطاب للجميع بشكل موحد يدعم أن الجميع يصلح للعمل كرائد أعمال دون مراعات الفروقات الفردية؟ وأنك في حال قمت بالتسجيل في دورة تدريبية لا تتجاوز الثلاثة أيام، فستصبح رائد أعمال ناجح!
مقالات ذات علاقة: نساء رائدات: نظرة عامة لريادة الأعمال للسيدات في الشرق الأوسط
مع الوقت، تحولت الحقيقة المسرحة "Theatrical Reality " التي تتصدر المشهد إلى مسرحية متكاملة يدعي فيها الجميع تصديق ما يتم تصديره من أوهام وفانتازيا. فوفقاً للمراقب العالمي لريادة الأعمال (Global Entrepreneurship Mode)، فإن نصف العاملين بوظيفة ذات دخل ثابت يرون إن إنشاء بيزنس شخصي أفضل من الوظيفة بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى.
في رأيي يجب أن يفهم الأفراد أن التخلي عن الوظيفة والجري وراء أوهام ريادة الاعمال له تكلفة كبيرة. فعلى عكس الشائع أيضاً بان كل الافكار الناشئة تستطيع الحصول على تمويل بسهولة لبداية الشركة، فإن 67% من رواد الاعمال يلجؤون الى مدخراتهم الخاصة ومدخرات الأقارب والاصدقاء لبداية الشركة فقط.
بالطبع، أنا لا أدعو إلى التخلي عن تبني ريادة الأعمال. بل على العكس، أنا أطالب كل الأطراف بالتعامل معها على محمل الجدية حتى لا تتحول إلى فقاعة يختفي أثرها بمرور السنوات. وأخص بالذكر أطراف المعادلة والايكوسيستم المكون من:
- أكاديميين مطالبين بتطوير مناهج ريادية بشكل حقيقي تسهم في خلق ثقافة ريادة الأعمال حتى للموظفين داخل الشركات وذلك حتى يستطيعوا تحقيق أفكار ريادية داخل شركاتهم مع تطويرهم لوسائل قياس الجدارات المبنية على المتطلبات المطلوب توافرها برائد الأعمال وليس الموظف العادي.
- مجتمع أعمال ومستثمرين أكثر جدية في البحث عن الأفكار والفرص والمشاريع ودعمها بشكل حقيقي مع التركيز على احتياجات السوق. في دراسة لـ CBInsights فإن أسباب فشل حوالي 42% من الشركات الناشئة في العالم هو عدم وجود حاجه في السوق للسلعة او الخدمة المقدمة.
- مجتمع مدني يدعم الافكار في الاقاليم خارج العاصمة والمؤتمرات والمتحدثين المكررين.
- الحكومة مطالبة بتشريعات أكثر ثورية وملائمة لطبيعة الأنشطة الريادية.
ففي النهاية، الأرقام هي التي تتحدث ووفقاً لشركة 2ndSite Inc، وهي شركة تتولى الاعمال المحاسبية للشركات الصغيرة والمتوسطة بالولايات المتحدة الامريكية، 97% من مؤسسي الشركات الناشئة والصغيرة الناجحة بالولايات المتحدة الامريكية لن يعودوا بأي حال من الاحوال الى الوظيفة ذات الدخل الثابت لدى الغير ولكن بدون الحديث عن أي تضحيات أخرى كانت أو ستكون للوصول الى النجاح الذى يساند هذا الاعتقاد.
فلم يتحدث أحد عن مدى المعاناة على العثور على موظفين وفرق عمل للعمل بالشركات الناشئة مثلاً! ففي نفس الدراسة لـ CBInsights السالف ذكرها، إن سبب فشل 23% من الشركات الناشئة يعود الى عدم وجود تناغم بين فريق عمل جيد لديه الجدارات اللازمة.
وكذلك لم يتم ذكر مدى صعوبة ديمومة الحصول على الاستثمارات اللازمة لضمان سير الشركة والذي بسببها يفشل حوالى 29% من الشركات الناشئة والتي لم تنجح للوصول الى معادلة ربحية تحافظ لها على رأس المال قبل توقف مضخة الاستثمارات.
الخاتمة
في الحقيقة، اننا في مفترق طرق بين أن يكون الأمر برمته شكل مسرحي تجميلي أو أن يتحول إلى مساهم حقيقي في نمو وتنمية اقتصاد المنطقة وخلق طبقة جديدة من الرياديين على المستوى الفكري والتنفيذي. إذا كان ذلك كذلك وحتى نعيش المشهد بتفاصيل كاملة وحقيقية تخلو من أي ادعاء أو مسرحة للأحداث، فلنمضي قدماً في تحقيق خارطة الطريق اللازمة والتي ذكرتها في هذه المقالة كما بدأت GoDaddy في دعم المشاريع الناشئة ورواد الأعمال. يمكنك الاطلاع على العديد من القصص الملهمة لرواد أعمال نجحوا في خلق بصمتهم في المنطقة العربية من هنا.